Wednesday, April 27, 2016

لؤي نزّال، سيمفونية نصوص صاعدة

هدوء و سيجارة، شيئان كفيلان لإشعال قلم ينزف بعبير الحروف و اجملها، قلمه الذي لا يغادر جيبه، و مخيلته المشتعلة بكل التفاصيل الحالمة غير المنسية، خلقت من جوفها شاعرا فلسطينيا يكتب بقلبه قبل قلمه.
لؤي نزّال، 36 عاما من مدينة جنين، شاعر و استاذ جامعيّ، حاصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ والعلوم السياسية من جامعة بيرزيت وماجستير شؤون سياسية عربية من نفس الجامعة، يعمل مدرسا في التربية والتعليم ومحاضر في جامعة القدس المفتوحة في جنين.
"وسالت دمعة على خد القمر..وعاد يبكي منهكا من رحلة السفر"، خط حروفه الاولى وهو في السابعة عشرة من عمره، لم يكن ينشر ما يكتبه، بل اكتفى بتخزينها بين طيات دفاتره، كانت خواطر مراهقة عن الحب والهجر والحزن.
انقطع نزّال عن الكتابة حوالي سبع سنوات، ثم عاد ليزهر من جديد في عام 2010 ، كتب نصّه " الى سلبية "، و بدأ حينها بنشر مخطوطاته
في المواقع الالكترونية و الصحف العربية .
نادين و صغيرته، وجهان لديوان شعريّ و انثى واحدة ، يقول نزّال " نادين كانت باكورة دواويني الشعرية، صدر سنة 2013 عن دار فضاءات في الأردن، لم يكن اختياري لإسم هذا الديوان عبثا، بل هو اسم ابنتي "نادين"، وهناك قصيدة بالمجموعة تحمل إسمها، لكن معظم القصائد وجدانية عدا واحدة تحمل النفس الوطني"
ويقع الديوان في 122 صفحة من القطع المتوسط، 29  قصيدة تراوحت بين التفعيلة و الكلاسيكية، ومن الجدير بالذكر انه نادين هو إسم سلافي الأصل ومعناه الأمل.
لم تكن جميع نصوص " لؤي " واقعية، بل كان بعضها يميل الى الخيال، يعقّب نزّال بقوله " هنالك قصائد من الواقع وهناك نصوص من وحي الخيال، لكن أيضًا الخيال جزء مهم من كل نص، ومنذ ان شرعت في الكتابة، لم أمتلك طقسًا معينًا حين يستملكني وحي النص لا أفلت منه، لأنه يقض مضجعي وأنا نائم إن أهملته، و كثيرا ما ابقي بعض نصوصي تائهة دون تتمة، فالنص يُرغِم الكاتب ولا يُرغَم، وما زالت هذه النصوص معلقة حتى الآن، بعضها تجاوز عمر ورقه العامين وبعضها يرجع لي رغمًا عني فأكمله".
يشير نزّال الى جزئية النصوص القريبة الى قلبه بقوله " صعب أن أميز بين أولادي، لكن هناك نص بعنوان فوق الكتاب حواري، هو نوع من الفخر الذاتي بالنفس، نرجسية بشكل ما، يمسّني جدا".
اما عن الديوان الشعري الثاني فقد كان بعنوان " سِفر الخطايا"، صدر عن دار موزاييك للترجمات والنشر في الأردن عام 2014، 102 صفحة تحمل 54 نصا منها واحد فقط وطني بعنوان "إبليس" والباقي ذات طابع وجداني.
يقول لؤي " في البداية كان اسم المجموعة بقايا، وبعد نقاش مع مدير دار النشر تمت مناقشة مجموعة ضخمة من الأسماء حتى استقريت على سفر الخطايا، وكلمة الخطايا وردت في أحد النصوص وسِفر هو الكتاب" و يضيف " كان الغلاف عبارة عن تفاحة حمراء،و التصميم ليس لي ولم أتدخل به مطلقًا، صممته مصممة من الأردن إسمها روزان القيسي، استوحت من خطيئة آدم التفاحة والنص خلف التفاحة من كلمة سِفر، ولكن حين رأيت الغلاف ذهلت".
عبّر الشاعر عن اعجابه اللامتناهي بشاعر المرأة "نزار قباني"، ومظفر النواب، وأحمد بخيت، وأحمد مطر، وصديقه حسام أبو غنّام، ثم أي نص يخترق أعماقه.
لا حدود للؤي نزّال ، رغم الظروف والمعيقات، لا يجيد فن التنميق، ولا يسمي نفسه شاعرًا، فيقول " لست أنا من يمنحني هذا اللقب، وأسعى للتطور في كل مرة أكتب فيها نصًا جديدا، قريبًا لن يكون هنالك أي جديد حتى أخرج بنصوص أستهدف أن تكون قادرة على أن تحبب بها القارئ ".
ووجه رسالة للكتّاب الصاعدين " كونوا على قدر نصوصكم ومسؤوليتكم ، وأرفعوا من مستوى ثقافتكم عبر القراءة بشكل كبير، ويجب أن تتعلموا من أخطائكم، فما لا يميتنا يزيدنا قوة وإصرارًا، وتقبلوا النقد البناء بصدر رحب لأنه سيفيدكم في القادم من حياتكم الأدبية".
قصاصات من أحزان الوطن :
من قصيدة الرواي المخمور
ردّ الجمعُ وقالوا فوراً:
ظلٌّ لله على أرضه
في حكم الشعب له قدرةْ
يجري سحباً فوقَ أراضٍ
في علمِ الغيمِ له دورُهْ
ينبتُ أشجاراً وحقولاً
للحاكم يا راوي سِحرُهْ
معروفٌ من يوم ولدنا
لشيوخٍ حكمٌ بالفطرةْ
من خلف حجابٍ نسوتُهُ
جاريةٌ تحكم من خِدرِهْ

ملك .. قصة أمل قتلها خطأ طبي .. !

تزحف كما الأيام، من المطبخ الى غرفة نومها مرورا بالحمام لقضاء الحاجة، ثم تلازم مكانها لتصفن مع الموسيقى الحزينة، تنظر الى حالها وتجهش بالبكاء، لتخلق من يومها روتين قاتل، يبدأ بكرسيها المتحرك و ينتهي به.
حين تتحول أبسط الحقوق الى أحلام، " نفسي أمشي "، عينا ملك تلمعان كطفل صغير حين يتحدث بشقاوة الأطفال عن أمنياته، و ابتسامة شفتيها الممزوجة بالأمل ما تلبث أن تصطدم بعرض الحائط حين تتذكر أن أمل الشفاء والمشي معدوم.
خطأ طبي قاتل أودى بحياة ملك سلهب ابنه ال21 عاما من مدينة نابلس، لتقبع بين جدران العجز منذ أن كانت في السادسة من عمرها، ولا قانون اخذ بحقها في الحياة.
" كنت أمشي ليلا في المنزل لشرب الماء، و إذا بقطة سوداء مخيفة ظهرت أمامي، كانت رعبة قاتلة لأيامي القادمة، ذهبت الى مستشفى في رام الله، وهنا كانت الكارثة حين شخّصوا حالتي الصحية بوجود مرض السحايا رغم أنني لم أكن أمتلك هذا المرض، الأمر الذي اضطرهم  للقيام بعملية في الحبل الشوكي ،ومنذ تلك اللحظة وأنا حبيسة أسفهم الفارغ"، و تعقب ملك بقولها " درست حتى الصف الثاني الابتدائي فقط، وخرجت من المدرسة عندما وقعت عن درج منزلنا و التهب مكان العملية ".
تقول ملك " نحن ضعاف جدا، لا ظهر الأبوة يسندنا ولا ظهر الحكومة، والدي توفي منذ فترة طويلة، وأمي امرأة لا تعمل، أما عن اخوتي المتزوجين فكل منهم يصنف وضعه تحت خط الفقر، هذه الكراسي وهذا السرير وحتى صغائر الاشياء كالزعتر هي تبرعات من أهل الخير، نعيش على صدقات الاخرين، لا معول لنا ولا ساند، و حتى اللجان الخيرية لم تصنفني كحالة تحتاج الى رعاية أو حتى مبلغ من المال، أعيش على أمل الموت"
قراءة الصحف، هواية غريبة من نوعها استهوت ملك منذ صغرها، احساسها المرهف ومشاعرها الجياشة أنبت في داخلها حب الكتابة وعشق القلم.
"اصعدي قليلا قليلا، إنه درج مهترئ، متكسر البنيان"، عبارة تسمعها ملك في كل مرة تنوي فيها الخروج، سنة كاملة لم تغادر فيها ملك المنزل، ملل استوطن أحشائها وهي في صندوقها الزجاجي معدوم الوجوه و الشمس، " أتمنى لو أنني أخرج من قوقعتي المظلمة، لكن الدرج هو عقبة أبدية تقف في طريق تجدد الهواء الى رئتي، رغم أننا ناشدنا البلديات و أصحاب رؤوس الأموال لترميمة لكننا ننفخ في قربه مثقوبة".
ناشدت أم ملك كل من في قلبه مثقال ذرة من انسانية بقولها " لا أعلم من لنا بعد ربنا، ملك ليست مجرد فتاة عاجزة، هي وردة قصفت اوراقها تقارير طبية خاطئة، تملك في قلبها الكثير من المواهب و الرغبات لكن لا قانون ايّدنا ولا حكومة ساندتنا، ولا قلب رأف بحالنا، لا نريد أكثر من ترميم درج منزلنا، سيبقى هذا الامر مربكا لي كأم تحتضن صغارا، فأنا أصبحت أخاف أن يتكرر العجز في بيتي مرة أخرى".
اسم على مسمى، "ملك" هابط من السماء،قُصت اجنحته بالخطأ، لكن فؤاده حكاية نقاء و عزم نادرين، حين يكون الابتلاء في الجسد والمال والسند، و حمد الله لفظ لا يغيب عن لسانها، هنا تجتمع الارادة و الايمان بالقضاء والقدر، و التمسك حتى آخر رمق من أمل، قصص البلدة القديمة لا تنتهي، فتهميش البلديات فيها واضح، حكايات تتكرر و مواقف لا تنتهي نتيجة الأنانية القابعة فينا، خلل طبي، و خلل معماري، وخلل في توزيع الموارد، أسباب كافية لتحويل حياة اسرة تحب الحياة الى جحيم لا ينطفئ.

اشجع طفل في العالم \ فيديو

اشجع طفل في العالم





15 عاما من العزلة..!

تجاعيد غزت وجهها الخمسينيَ، ونظرات غاضبه استشعرتها من خلف نظارتها الطبيّة، قصر قامتها، وقدمها الواحدة، تفاصيل اثارت حيرتي، على يمينها كتاب يتحدث عن حقوق المرأة في الاسلام، وقبل أن تبدأ بالكلام، جاء صوت يصيح من بعيد " ابعدوا عنها .. عندها شيزوفرينيا " .. !

من بين ربوع الشام الصغرى، تسكن السيدة معالي أحمد مع والدها وعمتها في بيت مهترئ صغير، كل واحد منهم في غرفة منفصلة، لا يخاطب لسانهم الاخر منذ اكثر من 15 عاما، والسبب هو الفقر والمرض.

تزوجت معالي منذ فترة طويلة رغم رفض والدها لذلك، وسكنت في مدينة القدس، كانت تعمل مصففة شعر، و منّ الله عليها بابنتيها " سحر وملك "، بعد عناء طويل مع حل مشاكل الانجاب، لكن مرض السكريّ فتّك يديها، وجعلها غير قادرة على العمل اكثر.

تقول معالي " كان زوجي شخص متعفن الوجدان، تزوّج علي بامرأة اخرى بعد اصابتي بهذا المرض، حيث أني كنت مصدر رزق البيت بعملي وهو يجلس مكسور الحيلة، لا يرغب بالعمل ولا تحمل المسؤولية، كان عآلة على جدران المنزل".

عادت معالي مكسورة الجناح الى بيت والدها الثمانينيّ في البلدة القديمة بعد زواج دام 20 عاما، دون مال ولا سند ولا اولاد، بعد أن منعها زوجها من رؤية بناتها، اما صدمتها الكبرى، كانت تخلّي والدها عنها بسبب الفقر المدقع الذي يعيشه هو واخته العاجزة، لكن معالي اصرّت على المكوث رغما عنهم، ومن هنا بدأت حكاية الصمت الطويلة بينهم الى الان.

" انا لحد الان على ذمته "، عبارة قالتها معالي وهي تعتصر قلبها الما على حظّها السيء، بعد أن افصحت عن سرها الذي ما زال يقبع تحت جدران الخوف، فقد رفض زوجها التسريح باحسان، ولم تستطع خلعه، فبقيت الى الان على ذمته دون طلاق او معرفة مصيرها منذ 15 عاما.

تأزم وضع معالي اكثر مع مرض السكري، لم تعد قادرة على شراء الدواء، وتعففها عن الطلب من الناس، جعلها اسيرة عصاها البلاستيكية المهترئه، بعد ان تم بتر قدمها اليمنى كاملة حتى ركبتها بسبب تفشي المرض في كل جزء من جسدها، وبكونها لاجئة من مدينة عكا، وهويتها الزرقاء، انعمت اعين الشؤون الاجتماعية عنهم، فكل ما يحتاجونه قوت يومهم الذي بات بالنسبة اليهم صراع بين الموت والحياة.

وخلال حديثي معها، قاطعتني عمتها بصوتها القادم من غرفتها " سيبك منها، عندها انفصام بالشخصية "، بات الغضب يخيّم على تفاصيل وجه معالي، و اتجهت بنظرها الى كتب تضعها بجانبها دائما تتحدث عن حقوق المرأة والقوانين التي تنصفها، وعادت تقلّب في صفحات هذه الكتب التي لم ترَ لها تطبيقا في حياتها العملية.

تتابع معالي " اتهموني بانفصام الشخصية، كي يكذّبوا كل اقوالي، اصبحت أُعرف في هذه المنطقة بالمجنونة التي تختلق الاكاذيب لتشحد مصاريف علاجها وطعامها، لكنّي بريئة منهم".

اما عمتها السبعينية، تنام في غرفة معرّاه من اساسيات الحياة الكريمة، مستلقية على سريرها، وتحاول رفع نفسها لكن دون جدوى، تقول " نحن هنا ننتظر الايادي السخية كي تعطف علينا، أكاد افقد نظري لحاجتي الملحّة لعملية تنقذني من المياه البيضاء، لكن تكلفتها مرتفعة جدا، ونحن بالكاد نعيش من الجوع ".

والد معالي يجلس في غرفته وكلّما ذكر اسم ابنته امامه، يتمتم بدعواته عليها، وكأنها عدوته التي افقدته الحياة، يعقّب بقوله " لم اوافق من البداية على زواجها، ولكنها عصت امري والان تجلس في بيتي وتأكل من طعامي الذي لا يكفينا، انا غاضب عليها حتى الممات، ولن اخاطبها ما تبقَ فيًّ من نفس ".

لطالما نؤمن بأن الظفر لا يخرج من اللحم، لكن لكل قاعدة شواذ، فحين يكون الانتهاك من الزوج يبقى مقبولا لكن انتهاك الأب والأم والأولاد أشد وقعا على النفس، همّ الفقر وهمّ الصحة المعدومة، والمستقبل المتغبّش تميت في القلب تفاصيل كثيرة،  معالي هي حالة مصغرة عن عشرات الحالات التي تعاني من الظلم، لكن لا احد يقف معهم ويعيد لهم حقهم في الحياة.

 

 الكلمات المفتاحية : الفقر، سكّري، شيزوفرينيا، الشام الصغ